Sunday, February 13, 2011



برنامج مسابقات بين الغرب والمسلمين
أشعر  في كثير من الأحيان أن الإسلام  تحول من دين إلى مجرد برنامج مسابقات. يتجلى ذلك بشكل اوضح في الملمات والمناسبات الكبرى. ما يجرى في مصر وما جرى في تونس شاهد على ذلك. على سبيل المثال, الشعب المصري يطالب بالشفافية ومكافحة الفساد متمثلا بروح الرقابة في بريطانيا. بعد يومين أو ثلاثة  تقرأ مقالا مطولا مفصلا يقول: بالعكس الإسلام هو أول من حض على الشفافية. ثم يتلو  عليك صاحب المقال عددا من الآيات ويتعسف عدد من الأحاديث ليثبت ذلك. يصادف أن تسمع من يطالب الشعب  التونسي محاكمة الفاسدين من اقطاب النظام السابق مشيرا في مقالة إلى المحاكمة التي اجرتها الحكومة  الأيطالية بعد الحرب العالمية الثانية. بعد يومين أو ثلاثة  نقرأ  مطولة في أحدى المواقع يثبت فيها صاحبها أن الإسلام هو أول من أجرى محاكمة للفاسدين. لا يترك حديث حول العدالة والقضاء دون أن يسرده ولا يترك قاضيا في الإسلام عرف عنه النازهة دون أن يتعرض له.  تقرأ لأحد الحقوقين دراسة يطالب فيها أن يتضمن الدستور المصري الجديد مادة تؤكد على حق المواطنة لكل الطوائف واصحاب الديانات الأخرى. لن تفاجأ أن  تسمع في يوم الجمعة التالية خطيب المسجد وهو يؤكد أن الإسلام هو أول من أعطى غير المسلمين حقوقهم. ثم تسمع قصة يهود المدينة والخنجر الذي اودعه النبي عليه الصلاة والسلام عند اليهودي وغيرها من  القصص المعروفة.  أما إذا أشار  ضيف أحد البرامج الفضائية  إلى حقوق المرأة وطالب أن تكون من اولويات الثورة المصرية ففي فجر اليوم التالي( ربما قبل الصلاة)  ستقرأ عشرات المقالات وتسمع  مئات الخطب التي تؤكد أن الإسلام هو الذي أعطى المرأة حقوقها قبل أربعة عشر قرنا.
لا يتوقف برنامج المسابقات عند الأمور الفكرية والسياسية بل أن معدو البرنامج أضافوا إليه مسابقات علمية موسعة. عندما يقرأ المرء تقريرا لوكالة ناسا الأمريكية عن اكتشاف تشققات على سطح القمر يسارع المتسابقون إلى اثبات أن هذه التشقاقات اكتشفها الإسلام قبل أربعة عشر قرن. كل كلمة وردت في القرآن الكريم أو الاحاديث حول التشقق تصبح دليلا قاطعا على أن  الإسلام هو أول من اكتشف هذه الظاهرة. إذا قرأنا بعض  الأبحاث الأوروبية التي جرت على مدى قرون وقررت أن الشمس  تبعد عن الأرض  مئة وخمسين مليون كيلومتر يقفز الفريق المتسابق ويعلن دون تردد أن هذه النظرية عرفها المسلمون قبل أن يستفيق الغرب من سباته في العصور المظلمة.
سيكون هذا البرنامج المحموم رائعا لو أن المتسابقين طبقوا مايقولونه على الواقع. إذا كنت  تؤمن أن الإسلام اعطى المرأة حقوقها قبل ألف وأربعمائة سنة لما تخصص هذا الايمان  لمقارعة الغرب ولا تطبقه على الواقع.   إذا كانت النظريات العلمية التي يكتشفها الغرب يوم بعد يوم موجودة في القرآن وفي السنة النبوية لماذا لا نكتشف ما لم يكتشفه الغرب حتى الآن ونسبقه بدلا من اللهاث وراءه.
للبرامج  عمر افتراضي تتوقف بعده إلا هذا البرنامج طال أكثر مما يجب. أليس كذلك؟ 


Thursday, February 10, 2011

ادعوا  له بالبطانة الصالحة
بعد الغزو الأمريكي للعراق شاهدنا خريطة جديدة للشرق الأوسط. تزامن ظهور هذه الخريطة مع تصريحات غرور وغطرسة امريكية تنادي بشرق أوسط جديد وشرق أوسط كبير. تقوم هذه الخريطة على إعادة تقسيم المنطقة لدويلات صغيرة قائمة على الشعوبية أو الطوائف. حسب الخريطة لم تكف الأمريكان التقسيمات الأوربية السائدة فجاءوا بتقسيماتهم.  لا أحد يعلم من أين جاءت تلك الخريطة ولكن في عصر الإنترنت كل إنسان يستطيع أن يصنع خريطة حسب تصوره الأثني أو الطائفي للمنطقة و للعالم إذا اراد. كل دولة تملك تصورا مثاليا للعالم يتناسب مع مصالحها وطموحاتها  حتى تشاد تتمنى أن تعيد رسم خريطة العالم بالصورة التي تخدم مصالحها. ما يثير أن تصبح تلك التصورات الخيالية فرصة لأصدار الفتاوى وتبرير الأحداث وتبرئة الفساد. كل حدث يحدث في المنطقة يقدم لنا الواقع الفكري السائد وطريقة التفكير.  كثير من القيادات الدينية لم تشاهد في الأحداث  التي تجرى هذه الأيام سوى تصريحات المسؤولين الغربيين ومواقفهم. كأنما الحياة في مصر أو تونس وغيرهما كانت  جنة الله فقرر الغرب أن يزيل عن الأمة كل هذه النعم البالغة. يحاول بعض رجال الدين صرف الأذهان عن القضايا الاساسية التي يعاني منها الناس. بعضهم يرد الأحداث التي تلم بالناس إلى الفساد الأخلاقي المتفشي بين الناس كما لاحظنا مع  كارثة جدة والآخر يرى أن ما يجري في مصر هو مؤامرة امريكية لتقسيم البلاد الإسلامية وتفتيتها حتى أننا سمعنا أن ما  جرى في تونس لا علاقة له بإرادة الشعب التونسي ولكن القوى الغربية انتهت من بن علي فقررت التخلص منه.
اثناء غزو صدام حسين للكويت طفت كل نظريات المؤامرة المتوفرة في العالم العربي. اهمها ان الكويت لن تتحرر,  هدف الأمريكان من التواجد في المنطقة هو السيطرة على منابع النفط. بعد سنة تحررت الكويت. عاد الأمريكان إلى بلادهم.  بقي النفط في أيدي اصحابه. أصبحت حرب تحرير الكويت تاريخا على أبواب النسيان.  شيئان استمرا  نظرية المؤامرة والتبريرات الثيوقراطية للأحداث. الأحداث المصرية وكارثة جدة تؤكدان هذا. يربط أحدهم ما حدث لأهل جدة بعدم تمكين رجال الحسبة من أداء واجباتهم والآخر يرى أن مصر تتعرض للتقسيم على أيدي الغربيين. أعاد بعض الشيوخ الفتواى التي تحرم على  الشعوب التحرك والتعبير عن وجهة نظرها وتجرم المظاهرات وتدين كل من يرفع صوته للمطالبة بحقوقه. يسردون هذه الآيات مدعومة بعدد من الآيات الكريمات  وبعض الأحاديث لأكساب هذه الرأي البعد الديني المنشود. يتحول الظالم مظلوم و الدكتاتور خليفة الله على أرضه والشعب العربي مجموعة غوغاء عصاة.  يصبح الفساد وسرقة المال العام والتسلط على الناس وبيع مقدرات البلاد امرا شرعيا, يحسن بنا أن ندعوا له بالهداية والبطانة الصالحة ولا ننسى الصبر وأن  نترك امره للآخرة جملة وتفصيلا.